الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

كاتبة سعودية تصاب بالذهول من كَرَمِ وجُود أهل العراق ؟!

كاتبة سعودية تصاب بالذهول من كَرَمِ وجُود أهل العراق ؟!

حيث تقارن مابين تعامل السعوديين (شعب غني) بالماديات (بالفلوس) مع حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة وتعامل العراقيين (شعب فقير (اليوم)) بالكَرَم والجُود (ببلاش) مع زوار الإمام الحسين ع  في كربلاء بل على كل الطرق المؤدية الى كربلاء ومن سامراء شمالا والى البصرة جنوبا خلال زيارة الأربعين ؟!

تعلّموا من خَدَمَة الحسين في كربلاء ؟!

لطالما كان أسم حاتم الطائي مقرونا بالكرم والجود والعطاء بلا حدود .. بيد أن بوصلة التاريخ لابد أن تتغير اليوم ، و الأمثال لابد لها أن تتحول . فعطاء حاتم يتواري أمام عطاء أهالي العراق لزوار الأربعين. لقد شاهد العالم بأسره ، شلالا بشريا جاء من مختلف البقاع و المدن ومن جميع المذاهب والانتماءات والتوجهات ، في زحف مليوني قل نظيره علي طريق ”المشاية“ كما يطلق عليه ، بين مدينة النجف الأشرف إلي مدينة كربلاء المقدسة بالعراق ، إيمانا منهم بأن الحسين للإنسانية كافة ، لا للمسلمين الشيعة فقط .

وخلال هذه المسيرة المليونية التي تستغرق العشرة أيام التي تسبق مناسبة أربعين الإمام الحسين ، يصاب المرء خلالها بالعجب والذهول فعلا ، من عمق العطاء والكرم ، الذي هو أشبه ب ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر علي قلب بشر ، والذي لا يمكن وصفه ولا الحديث عنه إلا أن تكون ممن نال شرف المشي للحسين علي الأقدام . عندها حقا ستدرك مكانة وعظمة الحسين في قلوب هؤلاء الناس، وستعرف تفسير الزوار في نعتهم لكربلاء ب الجنة .
ما دفعني لكتابة هذه السطور في الحقيقة ، هي صدمة المقارنة ، بين الكرم والسخاء اللامتناهي الذي يلقاه زائرو كربلاء ماديا ونفسيا ، وبين ما يجري في بلادنا السعودية من جفاء لحجاج بيت الله الحرام . فقد حظيت خلال العشر سنوات الماضية بخدمة الحجاج في أكثر من حملة للحجيج ، إلا أنه وعلي النقيض من كل الخدمات المجانية التي يلقاها الزائر الماشي علي قدميه بين النجف وكربلاء علي مدي ثلاثة أيام أو أكثر والتي تبدأ من الغذاء والسكن والخدمات الصحية ، ولا تنتهي بخدمة تدليك الأقدام وتلميع الأحذية ، لم أجد في مكة المكرمة أكثر من علبة ماء تلقيتها ذات مرة علي طريق مني! .
الفرق شاسع ولا مجال أصلا للمقارنة ، بين ما يلقاه زائرو كربلاء وزائرو مكة . في الأولي يستجديك الناس طمعا بالتشرف في خدمتك مجانا، أما الثانية فما عليك إلا أن تحمد ربك كي لا تضطر للاستجداء نتيجة الأسعار المتصاعدة صاروخيا عاما بعد عام في السكن والغذاء والنقل.
علي طريق ”المشاية“، ورغم أنك تسير في طرقات دولة تحولت إلي مصاف الدول الفقيرة نتيجة الحرب ، إلا أن رأسك سيصاب بالدوار بمجرد التفكير في عقد مقارنة بينها وبين دولتي العربية السعودية المتقدمة والغنية التي يفدها ملايين الحجاج. ففي عرصات مكة المكرمة وحينما تتعب من السير وأنت متوجه إلي أرض مني مثلا ، فلا بديل أمامك إلا أن تجبر نفسك جبرا علي مواصلة المسير حتي لو هلكت، كماحدث و يحدث كل عام بينما - وكأبسط خدمة متوفرة علي طريق المشاية - فالطريق يعج بمئات المخيمات المجانية والمواكب والتي تتسابق لاستقبال الزائر وتقدم له خدمات الراحة والنوم والغذاء وحتي خدمات التدليك والمساج الطبيعي لمن أعياهم المشي .
في طريق المشاية، لست بحاجة إلي التنقل بأمتعتك وحاجاتك الاساسية ، فهناك تتوفر كل الخدمات، بل وتصل إلي الكماليات في أحيان كثيرة. فعلاوة علي المضايف المختصة بتوزيع صنوف الأطعمة والمشروبات الساخنة والباردة طوال المسيرة التي قد تمتد لأكثر من ثلاثة أيام عند بعض كبار السن والمرضي . وعلي مدار ال24 ساعة، هناك مواكب ومضايف تقدم لك خدمات الشحن للهواتف النقالة مجانا وتمنح الزائر خدمة الاتصال المجاني بعائلته في أي بقعة من العالم ، و في ذات الطريق فأن أبسط وأصعب الحاجات ستجد لها أهالي سخروا أنفسهم وأرواحهم وأموالهم وخبراتهم لهذه الخدمة ومن كل بقاع العراق، فهذا الطبيب والاستشاري يقف أمام المفرزة الطبية، التي تقدم خدمات العلاج وتوزيع الأدوية، وذاك الميكانيكي بسط أدواته لتصليح عجلات العربات التي يمتطيها الأطفال الصغار، وعلي الوجهة الثانية تري من جهز طاولته بمختلف أنواع الكتب والمطويات إيمانا بأن رسالة الحسين شاملة في كل جوانبها، وتري رجال الدين قد نصبوا خيامهم لتقديم الاستشارات والرد علي الاستفتاءات الدينية لدي الزوار وتصحيح قراءة السور ولا تتوقف الخدمات علي هذا الجانب، ففي طريق المشاية لا تشعر «بورطة» لو اتسخت ملابسك لأي سبب كان، فهناك من يقف مجهزا غسالات الملابس والكي وخياطتها منتظرا للزائر لخدمته!.
في الزحف المليوني نحو كربلاء رغم الصقيع و البرد القارص والأمطار لست بحاجة إلي عمال النظافة، ولا إلي البلديات، والسبب يعود أن جميع أهالي العراق ، الغني منهم و الفقير و المتعلم و الأمي تراهم في طريق المشاية يحملون مكنستهم بكل تواضع خدمة للزوار وإيمانا برسالة الحسين .
في طريق المشاية ، كنت أود لو أن أحدا من وزارة الحج السعودية في بلادنا، حضر هذه التظاهرة العالمية السلمية ضد التطرف وضد العنف، حتي يشاهد العطاء الخيالي ويستلهم دروسا في الضيافة والكرم من الأهالي البسطاء الذين لا يتوانون ولو للحظة في تقديم كل ما يمكنهم لأجل الزوار، دون النظر إلي قيمته وحجمه. ولك أن تتصور أن هناك من يقف في وسط الطريق فقط ليقدم لك المناديل أو يرش عليك الطيب والعطر بقوله «تعطر يا زائر أنت في الجنة» ، إضافة إلي من يقف ويساعد بكلماته القريبة للقلب في التشجيع علي المشي والتذكير بالثواب، والأمر ذاته حينما دخلت أحد المخيمات للاستراحة والتي تستقبلك بها السيدات والفتيات اللواتي وهبن أوقاتهن لخدمة الزائرات أسوة بالرجال، تساءلت لماذا في الحج شركات المخيمات تستغل الحاج وتطلب منه تلك الالاف لأجل مكوث في الخيمة محدود الساعات، بينما في حج الحسين فالخيام متاحة ومجانا بالوقت الذي يرغب به الزائر، فأي عطاء هذا وأي مفردات أصف بها هذا الحب ؟.
أسئلة كثيرة دارت بداخلي وتمنيت لو يجيبني عليها أحدا، ألسنا أولي بهذا الخدمات ونحن أغني من العراق بأضعاف مضاعفة؟ أليس الحج هو الفريضة التي أوجبها الله علي المسلمين، فكان من الأجدي بنا أن نتفاني في خدمة الحجاج. وكمواطنة، أنتمي لبلاد الحرمين أتمني فعلا أن يكون هناك مشاركة مجتمعية من الأهالي والحكومة في خدمة الحجاج وأن تتاح الفرصة لتقديم العطاء لهم، عساها تكون خير فرصة لتغير صورتنا التي بدأت تتلوث بسواد العنف والتعصب والمجازر التي تتكرر كل عام .
بعد رحلتي علي طريق المشاية بين النجف وكربلاء ، لا أتردد في القول مرة أخري لحاتم الطائي، بأن لا مكان لك اليوم أمام ما رأيناه علي طريق ”المشاية“، من عطاء وكرم وأخلاق العراقيين خَدَمَة زوار الإمام الحسين ، فقد فاقوا كرمك بما لا يحويه الوصف .

نداء آل سيف

“كاتبة سعودية”

منقول

2015

مع تحيات المهندس سرمد عقراوي

ليست هناك تعليقات: