حطت بي طائرة الخطوط الجويه العراقيه في مطار هيثرو في لندن, سنه 1979م , بعد شهرين من الواسطات لكي اخرج من العراق كطالب نفقة خاصة, وكنت وانا في العراق ومنذ عام 1973م ادرس خريطة مطار هيثرو والاندرگراوند (تيوب كما يسميه سكان لندن) ومناطق لندن المختلفه من كتب ومنشورات وخرائط كانت خالتي قد جلبتها لي من هناك لان زوجها كان من قدماء العراقيين الذين درسوا في بريطانيا في الخمسينات بل انها صدمتني عندما قالت لي بان شقته في حي ميفير الراقي كان قد اشتراها بمبلغ 20 الف باون آنذاك ؟!. توجهت الى محطة الاندرگراوند في مطار هيثرو وبيدي خريطته التي جلبتها معي من العراق في طريقي الى محطة بادنگتون لاسافر الى مدينة الدراسه في غرب بريطانيا واتذكر وبانني وفي قطار الاندرگراوند رايت احد الركاب وهو في حيره وينظر الى الخرائط وبدت ملامحه عراقيه او شرق اوسطيه فبادرته بالسؤال هل تحتاج مساعده ؟! فقال لي بانه طالب عراقي ويريد الذهاب الى مانچستر على ما اتذكر فاخبرته بان عليه الذهاب الى محطة ڤكتوريا واخذ القطار من هناك, كما انني اعطيته خريطه الاندرگراوند والتي جلبتها معي من العراق وان كانت عزيزه علي لانني درستها واحتفظت بها لاكثر من 3 سنوات مع كتابه اين ينزل ؟! وكيف ؟! عليها, واتمنى بان يقرأ هذا الطالب العراقي كتابتي هذه ليتذكرني؟! وقد لا يتذكر لانه حاله كان حال أي شخص يأتي الى بلد جديد ويكون مخبوص وقلق من السفر والمجهول؟!. وانني اذ اتذكر بانني عندما تكلمت مع الطالب العراقي في البدايه بالانجليزيه الامريكيه انتبه على احد الشبان الانجليز وسألني؟! هل انت امريكي؟! فقلت له كلا , انا من بغداد (اختصارا للعراق لانها العاصمة والكل من المفروض ان يعرفها)؟! فقال لي تقصد بغداد اريزونا امريكا ؟! ولاول مرة في حياتي تأكدت بانه هنالك مدينه امريكيه في ولاية اريزونا تسمى بغداد بعد سماعي بها لسنيين ؟! كما ان هنالك مدينة بغداد في ولاية فلوريدا الامريكيه كما عرفت لاحقا من بحثي وتدقيقي في خرائط الولايات المتحدة الامريكيه. فقلت له شارحا وموضحا بان بغداد التي اقصدها هي في العراق في الشرق الاوسط وانتم الانجليز احتليتوا العراق سنه 1918م وكان الجيش البريطاني بقيادة الجنرال مود وكانت (واللعينه) المسز بيل مبعوثة الخارجيه البريطانيه وامور اخرى كثيره ذكرتها للتعريف ؟! الا انه لم يفقه من تلك المعلومات التأريخيه شيئا ابدا ؟! وهذا الشاب البريطاني وكغيره من اكثريه شباب بريطانيا بل اوربا ؟! لا يهتمون لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا ولا بالعلوم بل ان جل اهتمامهم هو بالموسيقى ومطاردة البنات والبارات وطبعا امريكا العظمى؟! وكان ذلك اول انطباع لي عن الاوربيين بصورة عامة بل عن جهل اغلب الاوربيين آنذاك ؟! ولو انهم تطوروا من الناحيه المعلوماتيه قليلا بسبب المهاجرين والحروب في الشرق الاوسط في السنيين الـ 15 الاخيره. سألته عن مطعم ماگدونالدز في لندن وانا العراقي جاي من العراق توه ؟! كنت اعلم بوجود مطعم واحد فقط في كل مدينة لندن بل يمكن في عموم بريطانيا آنذاك وكان سؤالي هو من باب الفضول لانني كنت اريد ان ارى هذا المطعم الامريكي المشهور لمشاهدتي له في الافلام الامريكيه فقط, الا انه لم يعرف اصلا ما هو مطعم ماگدونالدز مع معرفته بوجود بغداد اريزونا ؟! طبعا انا اتكلم قبل 30 سنة تقريبا واليوم لندن مختلفة ويمكن ما بين شارع وشارع في لندن اليوم اكو مطعم ماگدونالدز لو بيتزاهت لو كنتاكي واكرر كان كل ذلك بالنسبة لي من حب الاطلاع والفضول لا اكثر ولا اقل ؟! كما كنت ايضا احب سوق السبت وشارع الانتيكات وساحة الخطابات الحرة في الهايدبارك, المهم.
.
خاطرتي هذه هي عن قصة ابكتني في لندن وفتحت عيوني على كنوزنا الادبيه وآثارنا المسروقة في لندن ؟!. في يوم من الايام وبعد اقامتي في بريطانيا لشهور, جئت الى لندن من مدينتي في غرب بريطانيا لاستقبال والدي في المطار وكنت احب ان اتواجد في الكليات والجامعات في اي مدينه ازورها وكان لدي بعض الوقت فقلت خلي اتمشى في كليه لندن وكانت مقابل السفارة العراقيه في منطقة الايرل كورت وبالصدفة قابلت طالب عراقي فتحدثنا عن لندن وعن العراق وعن المطاعم العراقيه في لندن فقال لي بانه يوجد مطعم عراقي في شارع مقابل للكليه ووراء السفارة شكرته ومضيت لاتمشى الى ذلك الشارع ثم تعرجت في المسارات والشوارع الى ان انتهيت الى شارع فيه بيت وكان امامه كتب قد القيت مصفطه على الرصيف وانا امر بجانبها انتبهت الى عناوينها كانت باللغة العربيه واكثرها تظهر قديمة ؟! توقفت وبدأت وبحب الفضول اتصفحها واعاين بعضها وانا منذهل ؟! كتب قديمة وبعضها كان مخطوطا بخط اليد ؟! وانا في هذا الحال واذا بشخص يخرج من البيت الڤيكتوري وكان بزي الخادم الانجليزي والذي يسمونه (بتلر) بكل قيافته فإبتأدني بالسلام عليكم وبالعربي؟! اندهشت وجاوبت وعليكم السلام ؟! فقال لي انت اليوم شريكي في هذه الفاجعة ؟! اترى بأم عينك ماذا يحصل ؟! فقلت له ماذا قصدك ؟! هل انكم سترمون كل هذه الكتب الثمينة في الزباله ؟! فقال لي هذه هي الفاجعة الكبرى؟! مات السير (لقب بريطاني تعطيه الملكه) رب عملي وجاء ابنه الطائش السكران وامرني بالقاء كل هذه الكتب في الزباله مع العلم بانني والسير كنا في الشرق الاوسط وجمعنا هذه الكتب الثمينة من العراق والخليج وباقي الدول العربية وهذا ابنه الاحمق يعتبرها زباله ؟! بل انه حتى رفض ولم يسمح لي بالتبرع بها للمكتبات البريطانيه ؟! يابه اشصار بي متت من القهر؟! المشكلة بانني لست من سكنة لندن ووالدي سوف يصل الى لندن بعد حوالي الساعة وهاي الكتب كانت مصفطه بارتفاع متر ونصف تقريبا بطول 3 امتار ؟! زين اني شلون انقلها وشلون اشيلها ووين اوديها ؟! وانا ميت من القهر وسارح في التفكير لايجاد حل ما ؟! وانظر الى البتلر المسكين المقهور والمغلوب على امره ؟! خرج شخص آخر من داخل البيت وخمنت بانه الابن وسأل البتلرمن هذا وهو يقصدني؟! فاجاب البتلر عابر سبيل؟! فقال له انت تكذب هذا حيوان ابو عگال من جماعة اللي تحبهم انت وابي وتريد ان تعطيه هاي الكتب الزباله ؟! فرديت عليه فورا وبقوه وبانجليزيه امريكيه صرفه ؟! لست انا الحيوان ولكن الحيوان هو الذي لا يعرف قيمة هذه الكتب ؟! استدار الي بنظرة تعالي واشمئزاز لانني تكلمت الانجليزيه الامريكيه وبطلاقه بل انه استغرب بانني حتى افهم الانجليزيه فما بال اتقان الامريكيه ؟! وقال مهددا ؟! اذا لم تمشي في طريقك ايها السافل فساتصل بالشرطه ؟! فرديت عليه انت السافل الجاهل , ومشيت في طريقي والدموع تنهمر على خدي وادرت رأسي ونظرت الى البتلر ورايت الدموع في عينيه كما الدموع في عيني وانتهى الموضوع.
بهذه الحادثه انتبهت الى شيئ مهم جدا وهو ما تحويه لندن من كنوز لنا (مسروقه) سواءا اكانت كتب او آثار او تحفيات او وثائق تأريخيه ليس لها مثيل في العالم وصب جل اهتمامي ومنذ ذلك اليوم على لندن واكثر من كل شيئ على المكتبات والمتاحف وبقية المؤسسات ذات العلاقه واخص بالذكر متحف الوثائق البريطانيه والذي كان ينشر وثائق عن العراق والخليج والشرق الاوسط بين فترة وأخرى؟! وكنت اتواجد فيه كلما سنحت لي فرصة للبحث والاكتشاف.
ادعوا العراقيين المقيمين في لندن ممن يجد في نفسه القدره والتفرغ الى متابعة هكذا مواضيع تهم تأريخنا وحضارتنا العراقيه بل الاسلاميه واحثهم على البحث والتنقيب في الوثائق البريطانيه والكتابه لنا فيما يجدونه ؟! والله ولي التوفيق.
20 - 10 -2011م
sarmad_aqrawi@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق