من يروج للديمقراطية التوافقية في العراق لم يقرئ كتب التاريخ ؟! بل انه لم يتحرك ساكنا ليرى فيما إذا كانت هذه التجربة ناجحة في دول العالم الأخرى ؟! وحتى لو نجحت وهذا مشكوك فيه في دول العالم الأخرى فان للشرق الأوسط وبالخصوص الدول العربية مميزات خاصة تجعل الديمقراطية التوافقية فيها اغرب من الخيال ؟! ولا احتاج بان أذكركم بالمقولة العربية المشهورة والتي تقول: اتفق العرب على أن لا يتفقوا ؟! واليكم التحليل ؟!.
في إسرائيل هنالك حزبان كبيران وهما حزب الليكود وحزب العمال وفي معظم الانتخابات الإسرائيلية لا يستطيع أي من هذان الحزبان من تشكيل حكومة بمفرده ؟! بل إن حزب الليكود مثلا قد يضطر للتحالف مع العشرات من الأحزاب الصغيرة لتشكيل الحكومة ؟! هذا إذا كانت الأزمة السياسية بينه وبين حزب العمال قوية بدرجة تمنعه من التحالف معه ؟!هذه الحكومة عادة ما تصبح ضعيفة لأنها يجب أن توافق بين كل أجندات وبرامج كل هذه الأحزاب الصغيرة المتحالفة وفي النهاية يكون سقوط الحكومة شبه أكيد وبعد مرور شهور قليلة من تشكيلها ؟! ويعلن عن انتخابات مبكرة في معظم الأحيان ؟! طبعا تستغل إسرائيل دائما هذه النقطة للرجوع بالفلسطينيين إلى المربع الأول من مفاوضات السلام بحجة أن الحكومة انحلت ؟! ولذلك فالاتفاقيات ملغية ؟! أما عندما تتشكل حكومة إسرائيلية من حزبي الليكود وحزب العمال فان الحكومة تصبح قوية لان التحالفات تكون ثنائية أو قد ينظم حزب أو حزبين صغيرين آخرين فقط للتحالف لإكمال النصاب ؟! وسبب فشل الديمقراطية التوافقية هنا هو واضح ؟! فعلى الرغم من أن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لدية لجان متخصصة في رسم السياسة الإسرائيلية ؟! سواء أكانت السياسة الخارجية أو الاقتصادية أو الزراعية أو الدفاع ؟! إلا انه وهي طبيعة بشرية بل أنها طبيعة سياسية بان يحيد الوزير التوافقي عن برنامج الحكومة لاعتبارات شخصية أو سياسية ؟! وعلى سبيل المثال فإن وزير الدفاع الإسرائيلي المعين من قبل حزب الليكود بناءا على المحاصصة الحزبية المتفق عليها مع حزب العمال لم يلتزم بتلك السياسة بحذافيرها ؟! فهذا سيعرضه للاستجواب في الكنيست ؟! من قبل حزب العمال وغيره من الأحزاب الصغيرة وحينها تقوم الطامة الكبرى؟! وسيعتبر حزب الليكود بان هذا الاستجواب هو هجوم على حزب الليكود ؟! وإخلال بمبادئ الاتفاق على تشكيل الحكومة ؟! ويضيع استجواب الوزير في المحاصصة الحزبية ؟! ويخسر الناخب الإسرائيلي ؟! والفلسطينيين كل حقوقهم ؟! ولذلك بأننا نرى ومنذ قيام دولة إسرائيل وما عدا السنيين العشرة أو العشرين الأولى والتي كانت فيها إسرائيل مشغولة في الدفاع عن نفسها وتشم حلاوة تأسيس الدولة بان كل حكوماتها فاشلة ؟! وعطلت أو أجريت انتخابات مبكرة لهذا السبب ؟! وكذلك أيضا ما خرج رئيس وزراء إسرائيلي من الحكومة إلا ورفعت ضده عدة دعوات تتهمه بالفساد الإداري ؟! أو اخذ رشوة ؟! أو غيرها من التهم الأخرى ؟! وهذا بيت القصيد ؟!.
أما في لبنان فحدث ولا حرج ؟! فان الديمقراطية التوافقية التي فرضها الفرنسيون كانت والى الآن من أهم أسباب عدم استقرار لبنان ؟! لا في الماضي ولا في المستقبل ؟! لا القريب ولا البعيد ؟! إن لم تلغى المحاصصة الطائفية والدينية هذه ؟! ولأضرب لكم بعض الأمثلة على فشل التوافق في لبنان والتي لحد الآن موضع جدل ونقاش بل اقتتال مابين اللبنانيين ؟! أولا ترفض الحكومة اللبنانية التوافقية ومنذ عام 1932 نعم أكرر ومنذ عام 1932 ميلادي إجراء إحصاء للسكان (هل يذكركم هذا أيها العراقيين برفض إجراء الحكومة العراقية التوافقية إجراء إحصاء سكاني لمدينة كركوك) لان المحاصة الدينية والطائفية في لبنان مبنية على ذلك الإحصاء السكاني والذي أكل عليه الدهر وشرب ؟! حيث كانت نسبة الموارنه 49 بالمائة ولذلك كانت وما تزال حصتهم هي رئاسة الجمهورية ؟! بينما شكل السنة الأغلبية الثانية فكانت حصتهم رئاسة الوزارة بينما أصبحت حصة الشيعة رئاسة البرلمان ؟!. وما كانت الحرب الأهلية اللبنانية والتي اشتعلت من عام 1975 ميلادي والى عام 1990 ميلادي إلا وسببها هذه المحاصصة الدينية والطائفية ؟! حيث يعتقد المارونيون بان الشيعة في لبنان ليسوا لبنانيين بل عراقيين هاجروا من النجف (هكذا يسمونهم) إلى لبنان ولذلك زادت أعدادهم أي الشيعة واخلوا بالنظام السكاني ؟! ونظام المحاصصه الدينية والطائفية ؟! ولذلك فهم يرفضون أي المارونيين إجراء إحصاء سكاني جديد ؟! والذي بالطبع سيخدم الشيعة أكثر من غيرهم لان عدد الشيعة اليوم يقدر بـ 2 مليون نسمة في الداخل والخارج؟! كما يعارض الموارنة والشيعة تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والبالغ عددهم أكثر من 400 ألف نسمة وتؤيده إسرائيل؟! لان ذلك سيخل أيضا بالتوازن الطائفي الديني في لبنان ؟! لأنه سيزيد من عدد السنة في لبنان وهو ضد الشيعة أكثر مما يكون ضد الموارنة؟!.
يتبين من هاتين التجربتين في إسرائيل ولبنان بان الديمقراطية التوافقية ومبدأ المحاصصه في الحكومة وليس البرلمان هو مبدأ فاشل ؟! لان وزراء المحاصصة لا يمكن استجوابهم بصورة صحيحة في البرلمان ؟! ولا يمكن لرئيس الوزراء الاعتماد عليهم لأنهم تابعون لأحزابهم السياسية وكتلهم السياسية ويتبعون أجنداتهم وبرامجهم السياسية الخاصة ؟! وإذا أثقل عليهم رئيس الوزراء أو البرلمان وطالبوا بمحاسبتهم لعدم أدائهم لواجباتهم بصورة صحيحة ؟! فإنهم سيستقيلون أو ينسحبون من الحكومة ؟! وسوف تقوم كتلهم السياسية بحمايتهم من الاستجواب ؟! وغيره من المساءلات القانونية ؟!.
أتمنى بأن أكون قد وفقت في شرح فشل الديمقراطية التوافقية لشعبي العراقي المسكين ؟!.
ولا حول ولا قوة إلا بـ الله العلي العظيم.
اللهم اشهد إني بلغت اللهم اشهد إني بلغت اللهم اشهد إني بلغت
16 - 12 - 2009
sarmad_aqrawi@yahoo.com
مقالاتي تعبر عن رأي الشخصي والديمقراطية في نظري هي ليست انتخابات فحسب ؟! بل هي تبادل حر للأفكار والآراء لمنفعة الناس مع إحترام العرف العام وبدون الخوف من التجريح والتهديد والوعيد. كما إنني لا أريد بأن أنافس سيبويه في النحو ؟! ولا أريد بأن توضع مقالاتي في متحف اللغة العربية للبلاغة ؟! القصد هو إيصال الفكرة للقارئ الكريم بأبسط وسيله ممكنه. واختم بالقول: خير الكلام ما قل ودل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق